كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولأن لفظ الواحد أخف فوضع موضع الجمع مع أمن اللبس، والباقون بضم الراء وألف بعد الفاء على الجمع جمع سلامة، وقد أجمع على الجمع في قوله تعالى: {لنبوأنهم من الجنة غرفًا}.
ثم بين حال المسيء وهو من يبعده ماله وولده من الله تعالى بقوله سبحانه وتعالى: {والذين يسعون} أي: يجددون السعي من غير توبة بأموالهم وأولادهم {في} إبطال {آياتنا} أي: حجتنا على ما لها من عظمة الانتساب إلينا {معجزين} أي: طالبين تعجيزها أي: تعجيز الآتين بها عن إنفاذ مرادهم بها بما يلقون من الشبه فيضلون غيرهم بما أوسعنا عليهم وأعززناهم به من الأموال والأولاد {أولئك} أي: هؤلاء البعداء البغضاء {في العذاب} أي: المزيل للعذوبة {محضرون} أي: يحضرهم فيه الموكلون بهم من جندنا على أهون وجه وأسهله.
{قل} أي: يا أشرف الخلق لجميع الخلق ومنهم هؤلاء {إن ربي} أي: المحسن إلي بهذا البيان وغيره {يبسط الرزق} أي: يوسعه {لمن يشاء} متى شاء {من عباده} امتحانًا {ويقدر} أي: يضيقه {له} بعد البسط ابتلاء قال البيضاوي: فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين، وما سبق في شخصين فلا تكرار.
ولما بين بهذا البسط أن فعله بالاختيار بعد أن بين بالأول كذبهم في أنه سبب السلامة من النار دل على أنه الفاعل لا غيره بقوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} أي: فهو يعوضه لا معوض سواه إما عاجلًا بالمال، أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما آجلًا بالثواب الذي كل خلف دونه، وعن سعيد بن جبير ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه، وعن الكلبي ما تصدقتم من صدقة أو أنفقتم في خير من نفقة فهو يخلفه على المنفق، إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وعن مجاهد من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له قليل وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأول {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}.
فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية: وما كان من خلف فهو منه فدل ذلك على أنه مختص بالإخلاف لأنه ضمن الإخلاف لكل ما ينفق على أي وجه كان، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى أنفق ينفق عليك» ولمسلم: «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» وعن أبي هريرة أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» وعنه أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت أحد صدقة من مال وما زاد الله رجلًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل» وعن عبد الحميد بن الحسن الهلالي قال: أنبأنا محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل معروف صدقة» «وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة» «وما وقى الرجل به عرضه كتب له بها صدقة» قلت: ما معنى وقى به عرضه قال: ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتقي، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنًا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية الله عز وجل قوله: قلت ما معنى مقول عبد الحميد لمحمد بن المكندر {وهو خير الرازقين} فإن قيل: قوله تعالى {خير الرازقين} ينبئ عن كثرة الرازقين ولا رازق إلا الله تعالى أجيب: بأن الله تعالى هو خير الرازقين الذين يغذونهم هذا الغذاء ممن يقيمهم الله تعالى فيضيفون الرزق إليهم، لأن كل من يرزق غيره من سلطان يرزق جنده، أو سيد يرزق عبده، أو رجل يرزق عياله فهو واسطة لا يقدر إلا على ما قدره الله، وأما هو سبحانه فهو يوجد المعدوم ويرزق من يطيعه ومن يعصيه ولا يضيق رزقه بأحد ولا يشغله فيه أحد عن أحد وعن بعضهم الحمد لله الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهي فيجد فكم من مشته لا يجد وواجد لا يشتهي، وقرأ أبو عمر وقالون والكسائي فهو يخلفه بسكون الهاء والباقون بالضم.
ولما بين تعالى أن حال النبي صلى الله عليه وسلم كحال من تقدمه من الأنبياء وحال قومه كحال من تقدم من الكفار وبين بطلان استدلالهم بكثرة أموالهم وأولادهم، بين ما يكون عاقبة حالهم بقوله تعالى: {ويوم يحشرهم} أي: نجمعهم جمعًا بكره بعد البعث وعم التابع والمتبوع بقوله تعالى: {جميعًا} فلم نغادر منهم أحدًا، وقرأ حفص يحشرهم ثم يقول بالياء والباقون بالنون.
ولما كانت مواقف الحشر طويلة وزلازله مهولة قال تعالى: {ثم نقول للملائكة} أي: توبيخًا للكافرين وإقناطًا مما يرجون منهم من الشفاعة {أهؤلاء} أي: الضالون وأشار إلى أنه لا ينفع من العبادة إلا ما كان خالصًا بقوله تعالى: {إياكم} أي: خاصة {كانوا يعبدون} فهذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر:
إياك أعني واسمعي يا جارة ونحوه قوله عز وجل: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}.
وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين براء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا فيكون تقريعهم أشد وتعييرهم أبلغ وخجلهم أعظم ولذلك:
{قالوا} أي: الملائكة متبرئين منهم مفتتحين بالتنزيه تخضعًا بين يدي البراءة خوفًا {سبحانك} أي: تنزهك تنزيهًا يليق بجلالك عن أن يستحق أحد غيرك أن يعبد {أنت ولينا} أي: معبودنا الذي لا وصلة بيننا وبين أحد إلا بأمره {من دونهم} أي: ليس بيننا وبينهم ولاية بل عداوة، وكذا كان من تقرب إلى شخص بمعصية الله تعالى فإنه يقسى الله تعالى قلبه عليه ويبغضه فيه فيجافيه ويعاديه.
ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم {بل كانوا يعبدون الجن} أي: إبليس وذريته الذين زينوا لهم عبادتنا من غير رضانا بذلك، وكانوا يدخلون في أجواف الأصنام ويخاطبونهم ويستجيرون بهم في الأماكن المخوفة، ومن هذا تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة.
وقيل: صورت الشياطين لهم صور قوم من الجن وقالوا: هذه صور الجن فاعبدوها ثم استأنفوا قولهم {أكثرهم} أي: الإنس {بهم} أي: الجن {مؤمنون} أي: راسخون في الإشراك لا يقصدون بعبادتهم غيرهم.
وقيل: الضمير الأول للمشركين والأكثر: بمعنى الكل وقيل: منهم من يقصد بعبادته بتزيين الجن غيرهم وهم مع ذلك يصدقون ما يرد عليهم من إخبارات الجن على ألسنة الكهان وغيرهم مع ما يرون فيها من الكذب في كثير من الأوقات.
ولما بطلت تمسكاتهم وانقطعت تعلقاتهم تسبب عن ذلك تقريعهم الناشيء عن تنديمهم بقوله تعالى بلسان العظمة: {فاليوم} أي: يوم مخاطبتهم بهذا التبكيت وهو يوم الحشر {لا يملك} أي: شيئًا من الملك {بعضكم لبعض} أي: من المقربين والمبعدين {نفعًا ولا ضرًا} بل تنقطع الأسباب التي كانت في دار التكليف من دار الجزاء التي المقصود فيها تمام إظهار العظمة لله وحده على أتم الوجوه.
فإن قيل: قوله تعالى {نفعًا} مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضر مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك أجيب: بأن العبادة لما كانت تقع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبار ويخدم مخافة شره بين أنه ليس فيهم ذلك الوجه الذي تحسن لأجله عبادتهم وقوله تعالى: {ونقول} أي: في ذلك الحال من غير إمهال {للذين ظلموا} أي: بوضع العبادة في غير موضعها عند إدخالهم النار {ذوقوا عذاب النار التي كنتم} أي: جبلة وطبعًا {بها تكذبون} عطف على لا يملك فبين المقصود من تمهيده، فإن قيل: قوله هاهنا التي كنتم بها صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار، وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته أجيب: بأنهم كانوا متلبسين بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}.
فوصف لهم ما لابسوه وهنا لم يلابسوه بعد لأنه عقب حشرهم وسؤالهم فهو أول ما رأوا النار فقيل لهم {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}.
{وإذا تتلى عليهم} أي: في وقت من الأوقات من أي تال كان {آياتنا} أي: من القرآن حال كونها {بينات} أي: واضحات بلسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {قالوا ما هذا} يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم {إلا رجل} أي: مع كونه واحدًا هو مثل واحد من رجالكم وتزيدون أنتم عليه بالكثرة {يريد أن يصدكم} بهذا الذي يتلوه {عما كان يعبد آباؤكم} من الأصنام أي: لا قصد له إلا ذلك لتكونوا له أتباعًا فعارضوا البرهان بالتقليد {وقالوا ما هذا} أي: القرآن وقيل: القول بالوحدانية {إلا أفك} أي: كذب مصروف عن وجهه {مفتري} بإضافته إلى الله تعالى كقوله تعالى في حقهم {أئفكًا آلهة دون الله تريدون}.
وكقولهم للرسول {أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا}.
{وقال الذين كفروا} أي: ستروا ما دلت عليه العقول من جهة القرآن {للحق} أي: الهدى الذي لا أثبت منه باعتبار كمال الحقيقة فيه {لما جاءهم} من غير نظر ولا تأمل {أن} أي: ما {هذا} أي: الثابت الذي لا شيء أثبت منه {إلا سحر} أي: خيال لا حقيقة له {مبين} أي: ظاهر قال ابن عادل: وهذا إنكار للتوحيد وكان مختصًا بالمشركين، وأما إنكار القرآن والمعجزة فكان متفقًا عليه بين المشركين وأهل الكتاب فقال تعالى: {وقال الذين كفروا} على العموم انتهى. ولم يحملهم على ذلك إلا الحظوظ النفسانية والعلق الشهوانية قال الطفيل بن عمرو الدوسي ذو النور: لقد أكثروا علي في أمره صلى الله عليه وسلم حتى حشوت في أذني ماء الكرفس خوفًا من أن يخلص إلي شيء من كلامهم فيفتنني، ثم أراد الله تعالى لي الخير فقلت واثكل أمي إني والله للبيب عاقل شاعر ولي معرفة بغث الكلام من سمينه فما لي لا أسمع منه فإن كان حقًا تبعته، وإن كان باطلًا كنت منه على بصيرة أو كما قال قال: فقصدت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أعرض على ما جئت به فلما عرضه علي قلت: بأبي وأمي ما سمعت قولًا قط هو أحسن منه ولا أمرًا أعدل منه فما توقفت في أن أسلمت ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم في أن يدعو له الله تعالى أن يعطيه آية يعينه بها على قومه، فلما أشرف على حاضر قومه كان له نور في جبهته فخشي أن يظنوا أنها مثلة فدعا الله تعالى بتحويله فتحول في طرف سوطه فأعانه الله تعالى على قومه فأسلموا.
تنبيه:
في تكرير الفعل وهو قال: والتصريح بذكر الكفرة وما في لامي الذين والحق من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وما في لما من المفاجأة إلى البت بهذا القول إنكار عظيم للقول وتعجيب بليغ منه.
ولما بارزوا بهذا القول من غير أثارة من علم ولا خبر من سمع بين ذلك بقوله تعالى: {وما} أي: قالوا ذلك والحال أنا ما {آتيناهم} أي: هؤلاء العرب {من كتب} أصلًا لأنهم لم ينزل عليهم قط قبل القرآن كتاب، وأتى بصيغة الجمع مع تأكيد النفي قبل كتابك الجامع {يدرسونها} أي: يجددون دراستها كل حين فيها دليل على صحة الإشراك {وما أرسلنا} أي: إرسالًا لا شبهة فيه لمناسبته لما لنا من العظمة {إليهم} أي: خاصة بمعنى أن ذلك الرسول مأمور بهم بأعيانهم فهم مقصودون بالذات لا أنهم داخلون في عموم أو مقصودون من باب الأمر بالمعروف وفي جميع الزمان الذي {قبلك} أي: قبل رسالتك الجامعة لكل رسالة {من نذير} أي: ليكون عندهم قول منه يدعوهم إلى الإشراك أو ينذرهم على تركه وهذا في غاية التجهيل لهم والتسفيه لرأيهم، ثم هددهم بقوله تعالى: {وكذب الذين من قبلهم} أي: من قوم نوح ومن بعدهم بادروا إلى ما بادر إليه هؤلاء من التكذيب، لأن التكذيب كان في طباعهم لما عندهم من الجلافة والكبر {وما بلغوا} أي: هؤلاء {معشار ما آتيناهم} أي: عشرًا صغيرًا مما آتينا أولئك من القوة في الأبدان والأموال والمكنة في كل شيء من العقول وطول الأعمار والخلو من الشواغل {فكذبوا} أي: بسبب ما طبعوا عليه من العناد {رسلي} إليهم {فكيف كان نكير} أي: إنكاري على المكذبين لرسلي بالعقوبة والإهلاك أي: هو واقع موقعه فليحذر هؤلاء من مثله ولا تكرير في كذب لأن الأول للتكثير أي: فعلوا التكذيب كثيرًا فكان سببًا لتكذيب الرسل والثاني: للتكذيب أو الأول: مطلق والثاني: مقيد ولذلك عطف عليه.
{قل إنما أعظكم} أي: أرشدكم وأنصح لكم {بواحدة} أي: بخصلة واحدة هي {أن تقوموا} أي: توجهوا نفوسكم إلى تعرف الحق وعبر بالقيام إشارة إلى الاجتهاد {لله} أي: الذي لا أعظم منه على وجه الإخلاص واستحضار ما له من العظمة بما له لديكم من الإحسان لا لإرادة المغالبة حال كونكم {مثنى} أي: اثنين اثنين قال البقاعي: وقدمه إشارة إلى أن أغلب الناس ناقص العقل {وفرادى} أي: واحدًا واحدًا من وثق بنفسه في رصانة عقله وإصابة رأيه قام وحده ليكون أصفى لسره وأعون على خلوص فكره، ومن خاف عليها ضم إليه آخر ليذكره إذا نسي ويقومه إذا زاغ، ولم يذكر غيرهما من الأقسام لأن الازدحام يشوش الخواطر ويخلط القول.
ولما كان ما طلب منهم هذا لأجله عظيمًا جديرًا بأن يهتم له هذا الاهتمام أشار إليه بأداة التراخي بقوله تعالى: {ثم تتفكروا} أي: في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به لتعلموا حقيته {ما بصاحبكم} أي: رسولكم الذي أرسل إليكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم {من جنة} أي: جنون يحمله على ذلك {إن} أي: ما {هو} أي: المحدث عنه بعينه {إلا نذير} أي: خالص إنذاره {لكم بين يدي} أي: قبل حلول {عذاب شديد} أي: في الآخرة إن عصيتموه، روى البخاري عن ابن عباس أنه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا: بلى قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبًا لك ألهذا جمعتنا فأنزل الله تعالى: {تبت يدا أبي لهب وتب}.
ولما انتفى عنه بهذا ما تخيلوا به بقي إمكان أن يكون لغرض أمر دنيوي فنفاه بقوله تعالى: {قل} أي: لهم يا أشرف الخلق {ما} أي: مهما {سألتكم من أجر} أي: على دعائي لكم من الإنذار والتبليغ {فهو لكم} أي: لا أريد منه شيئًا وهو كناية عن أني لا أسألكم على دعائي لكم إلى الله تعالى أجرًا أصلًا بوجه من الوجوه فإذا ثبت أن الدعاء ليس لغرض دنيوي، وأن الداعي أرجح الناس عقلًا ثبت أن الذي حمله على تعريض نفسه لتلك الأخطار العظيمة إنما هو أمر الله تعالى الذي له الأمر كله {إن} أي: ما {أجرى} أي: ثوابي {إلا على الله} أي: الذي لا أعظم منه فلا ينبغي لذي همة أن يطلب شيئًا إلا من عنده {وهو} أي: والحال أنه {على كل شيء شهيد} أي: حفيظ مهيمن بليغ العلم بأحوالي فيعلم صدقي وخلوص نيتي، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص أجرى في الوصل بفتح الياء، والباقون بالسكون.
{قل} أي: لمن أنكر التوحيد والرسالة والحشر {إن ربي} أي: المحسن إليّ بأنواع الإحسان {يقذف بالحق} أي: يلقيه إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل إلى أقطار الآفاق فيكون وعدًا بإظهار الإسلام وإفشائه {علام الغيوب} أي: ما غاب عن خلقه في السموات والأرض.